Ahmed Tantaoui d'Oujda
Par Dr Ali Ouedfel, enseignant chercheur , chargé du programme musical à la fondation Moulay Slimane à Oujda
الطرب الغرناطي في وجدة: عراقة التاريخ وحيوية المستقبل
Ahmed Tantaoui, derrière lui l'auteur Dr Ali Ouedfel, avec la troupe El Mossilia de Oujda, en avril 2007. إن لكل إنسان مجالات مختلفة يتعامل معها خلال حياته كلها أو فترة منها، ابتداء من دراسته وتحصيلاته العلمية ومرورا بمجالات فنية وثقافية ورياضية ووظيفية و غيرها، وهذه المجالات التي يعيشها الإنسان تعرفه وتربطه بأناس آخرين كثيرين، ومع مرور الزمان قد تضعف ذاكرته فلا يبقى من قائمة كل الأشخاص الذين عرفهم إلا القليل، ومن هذه القلة الباقية من كان له باع طويل أو تأثير يذكر في مجال من المجالات، ومجال الفن الغرناطي بمدينتنا وجدة العتيقة العظيمة الشامخة –حفظها الله- هو من المجالات التي اهتم بها كثير من الوجديين ومن غيرهم، نظرا لأصالة هذا الفن المتميز عن غيره من الفنون والمتجذر في تاريخ حضارتنا المغربية الإسلامية، فكل الدلائل التاريخية التي ربطت تاريخ وحضارة مدينة وجدة بتاريخ وحضارة مدينة تلمسان عبر الهجرات المختلفة للأندلسيين نحو شمال إفريقيا إلى عهد المرينيين وبعده عهد العلويين بالمغرب والأتراك العثمانيين بالجزائر، ثم فترة الاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا، أثبتت وحدة التاريخ والحضارة بكل عناصرها وتقاليدها.
فلا يقبل عقلا ومنطقا أن يتم الإقرار بالروابط الاجتماعية من مصاهرة بين الوجديين والتلمسانيين وما انبثق عن ذلك من تقاليد علمية وتربوية وفكرية ثم نستثني من كل هذا الفن الغرناطي والحوزي والملحون، فالتبادل كان ولا يزال قائما رغم بعض الصعوبات التي لابد أن تتجلى لتعود المياه إلى مجاريها.
وإذا ما ذكر رجالات هذا الفن الأصيل بوجدة أو في أوساط أندلسية ببعض المدن المغربية كفاس والرباط وسلا وتطوان، فإن اسم الأستاذ أحمد طنطاوي يكون حاضرا في قائمة الوجديين الذين أعطوا الكثير للحفاظ عليه والتعريف به داخل المملكة وخارجها.
الطرب الغرناطي عند الأستاذ أحمد طنطاوي كما عرفته:
الأستاذ أحمد طنطاوي من مواليد وجدة يوم 30 يناير 1960، ولد بأسرة مثقفة مولعة بالموسيقى التقليدية رجالا ونساء، مع تمسك هذه الأسرة الكبيرة بالتقاليد الوجدية العريقة وكذا أمور الدين، فجده لأمه كان فقيها درس على يده كثير من رجال وجدة ولازال أحد أزقة المدينة العتيقة يحمل إسمه، كما أن جده لأبيه كان رجل دين يجلس كل يوم بعد صلاة العصر يقرأ كتب الفقه، أما أبوه فكان من أقدم المدرسين بمدينة وجدة الذين عملوا إبان فترة استعمار على نشر اللغة العربية وتدريسها لأبناء الأهالي رغم المضايقات والعراقيل آنذاك.
كان الأستاذ أحمد الطنطاوي منذ نعومة أظافره يستمع خلال المناسبات التي تقيمها الأسرة إلى أغاني الحوزي والقصائد، وكثيرا ما كان ينصت إلى نساء الأسرة وهن يتغنين ببعض من ذلك، ويذكر أن بعضا منهن كن يتقن الأداء ولهذا معرفة واسعة بكثير من القصائد، ناهيك عن الرجال من أعمامه وأخواله فكلهم كانوا مولعين بالفن الأصيل ولهم علاقات وطيدة مع مشايخه. وكانت العادة في أعراس الأسرة أن يستقدموا جوق الشيخ الغوثي العشعاشي، وكان هذا الشيخ -رحمه الله- يتقن أداء القصائد وكان إذا بدأ في أدائها، نجد الرجال الحاضرين ينصتون إليه في صمت وانتباه شديدين، أما النساء فكن يستمعن لهذه الأغاني والقصائد من أعلى السطح بالمنزل ويحفظنها ثم يرددنها فيما بعد.
في هذا الجو والوسط الفني نشأ الفنان أحمد الطنطاوي، ومنذ سن مبكرة كان يحاول تقليد كبار الموسيقيين الذين كان يراهم مباشرة أو يستمع إليهم من خلال تسجيلاتهم فكان يصنع آلاته الموسيقية بيده على غرار ما كان يفعله الأطفال آنذاك، وفي سن العاشرة من عمره أي في سنة 1970 بالضبط أدى أول قصيدة خلال حفل آخر السنة الدراسية بمدرسة محمد الخامس التي كان تعرف آنذاك بمدرسة "فيكتور هيكو". وهذه القصيدة من نوع الحوزي هي قصيدة "يوم الخميس" للشيخ ابن سهلة وقد سمعته شخصيا يؤديها بروعة على طريقته الخاصة وبصوته المتميز كما كان يؤديها الهاشمي كروابي.
وكانت أول آلة موسيقية أهديت له في تلك السنة هي آلة اسويسن، اشتراها وأهداها له عمه المرحوم لحبيب حداد. وفي سنة 1973 امتلك أول آلة حقيقية هي قيتارة واقتناها له أبوه رحمه الله.
والملفت للنظر في أمر هذا الفنان الأصيل أن كل أفراد أسرته الكبيرة كانوا يشجعونه على أداء أغاني وموسيقى الفن الغرناطي وفروعه بما رأوا فيه من مواهب تبشر بمستقبل زاهر وواعد في هذا الميدان رغم صغر سنه، وسبب تشجيعهم له يفسره ما رأوه من اجتهاده في دراسته وأن الموسيقى لن تؤثر سلبا على مسيرته الدراسية الموفقة وقد كان الأمر كذلك.
ومنذ تلك الفترة، أخذ الشاب أحمد طنطاوي يساهم في إحياء الحفلات رفقة مجموعة من أبناء الحي الذين كانوا يجيدون العزف على آلات متنوعة ويؤدون القصائد وبعض المقاطع من التراث الغرناطي. وفي سنة 1973 التحق بمقر الأستاذ محمد شعبان ليتعلم مبادئ الموسيقى الأندلسية وذلك بمحله الكائن بشارع الدار البيضاء بوجدة.
وفي سنة 1976، التحق بالجمعية الأندلسية إذ كان أحد أخواله وهو الحاج مصطفى الرمضاني ضمن أعضاء المكتب المسير لها، فلما رأى منه شدة ولعه وشغفه بالتراث الأندلسي والقصائد، سجله ضمن أعضاء وتلاميذ هذه الجمعية العريقة التي تمتد جذورها من سنة 1921 حين أنشأها المرحوم محمد بن إسماعيل.
دخل الجمعية وكان إذاك عازفا على الكمان ومنذ اليوم الأول الذي التحق فيه بها، جعل ضمن المجموعة العازفة وأجلس في الصف الأول كما أسندت إليه "أداء الاستخبارات" التي تسبق "أداء القصائد" وتندرج أيضا في وسط "النوبة الغرناطية" وقد سمعته يؤدي ببراعة وروعة كاملتين "عدة استخبارات" على طبوع مختلفة تذكر المولعين والمحبين لفن الغرناطي بشقيه "الصنعة" و"القصيدة" من حوزي وعروبي، أكابر الأستاذة مثل دحمان بن عاشور، ومحمد خزناجي وغيرهما. وأظهر بذلك تفوقا في هذا المجال غناء ويذكر أنه خلال سنوات السبعينات كان ضمن مجموعة متخصصة في أداء الموسيقى التقليدية التي تجمع الطرب الغرناطي والقصائد، وكان يرافقه في ذلك صديقه فريد بريكسي الذي كان أيضا من العازفين والعارفين المولعين بهذا الفن الأصيل والذي كان أيضا ضمن صفوف الجمعية الأندلسية بوجدة.
منذ التحاق الشاب أحمد طنطاوي بالجمعية الأندلسية زاد اهتمامه بالموسيقى الأندلسية وما يسير في نطاقها كالحوزي والعروبي والقصيدة. كما أصبح يعمل مع الأساتذة محمد شعبان ضمن مجموعته في الحفلات الخاصة.
وفي سنة 1985 شارك ضمن مجموعة من أعضاء الجمعية الأندلسية في إنشاء جوق مستقل عن الجمعية الأم وهو جوق الشيخ صالح للطرب الغرناطي.
على أن عمله ضمن الجمعية الأندلسية بقي ثابتا إلى سنة 1987 إذ فرضت عليه ظروف العمل بعيدا عن وجدة أن يتوقف عن نشاطه الفني.
وفي سنة 1989 التحق بالجمعية الموصلية وصار ضمن أعضاء مكتبها النشيطين سنة 1993 متقلدا زمام التعليم الموسيقي بها وقيادة مجموعتها تطوعا.
وجدير بالذكر أن الفنان أحمد طنطاوي عازف على الألطو والموندول ويحفظ مع الأداء عدة قصائد حوزية وملحونية، كما أنه ملم بكل النوبات الغرناطية على اختلاف مدارسها، وقد شهد له كبار المشايخ في هذا المجال نذكر منهم الأستاذ أحمد سري والأستاذ محمد خرناجي من المدارس العاصمية بالجزائر الشقيقة والأستاذ أحمد بيرو من الرباط وكذا الأستاذ محمد شعبان بوجدة.
-ويذكر أنه غنى يوما بمهرجان الجزائر العاصمة فلما أنهى الغناء ناداه الأستاذان أحمد سري ومحمد خزناجي وسألاه أين تعلمت الغناء؟ ثم قال له إنك تجيد الأداء على طريقة مدرستنا فكان ذلك مثيرا لعجبهما سيما أنهما يدركان أن مذهب الوجديين في الأداء أقرب من مذهب التلمسانيين. وهذه شهادة حق له أن يفتخر بها لأنها أتت من عميدين للطرب الغرناطي الأصيل على اختلاف مذاهبه ومدارسه.
-ولم يبخل الأستاذ أحمد طنطاوي في التعريف بفن الطرب الغرناطي وما يتضمنه من أسرار كامنة فيه لا يعرفها إلا من جال بروحه وعقله في خباياه، فكان ممن أعطى محاضرات حول هذا التراث بالأردن والجزائر وفرنسا، وشارك في عدة تظاهرات ثقافية داخل المملكة وخارجها، وأغنى المكتبة الموسيقية المغربية بعدة تسجيلات في الإذاعة الوطنية والتلفزة المغربية بقناتيها الأولى والثانية.
وله حضور كبير ومستمر منذ نشأة الجيل الجديد بالجمعية الأندلسية سنة 1973 في كل المحافل وقد اطلعني أخي الدكتور جمال وادفل على فلم وثائقي عمل هو بنفسه على إعداده منذ مطلع الثمانينات حول الطرب الغرناطي الوجدي.
ونلاحظ من خلاله ومنذ الصور الأولى لهذا الفلم الوثائقي وإلى نهايته وجودا كبيرا للأستاذ أحمد طنطاوي الذي مثل المدرسة الوجدية أحسن تمثيل خلال أزيد من ثلاثة عقود كان آخرها الصدى الكبير والمتميز الذي أحدثه عبر برنامج "شذى الألحان" وحبه لوجدة وتاريخها دفعه لأن يقول لي "إن محمود كطاط لم يستوف وجدة حقها ولابد لأبنائها أن ينصفوها".
-وكان مصيبا في ذلك إذ أن الأستاذ محمود كطاط على احترامنا وتقديرنا له لم يحط بما تزخر به وجدة على الأقل منذ 1921 حين نشأت الجمعية الأندلسية على يد الأستاذ محمد بن إسماعيل رحمه الله إلى تاريخ صدور كتابيه حول الموسيقى الأندلسية .
-وأما مكتبة الأستاذ أحمد طنطاوي الموسيقية، فتزخر بتسجيلات نادرة لأكابر شيوخ الحوزي والغرناطي وفروعه، فحق لنا أن نعتبره باحثا بجدارة وتقدير في مجال الطرب الغرناطي، وأداؤه لم ينحصر على النوبة والقصيدة فقط بل والحوزي والعروبي وكذا الرهاوي الذي لم يسبق –حسب علمنا- لأحد من الوجديين أن خاض فيه وأدى منه عملا فنيا ما.
كما أصبح بشهادة كثير من المتخصصين من أهل الاختصاص في فن القصيدة ولو فتح له المجال للمشاركة في أكبر تظاهرة لفني الشعبي والقصيدة بالجزائر العاصمة سنة 2006 لكان الحظ حليفه والرتبة الأولى من نصيبه وهو ما لا نشك فيه بتاتا.
ومعرفتنا بهذا الفنان الأصيل أظهرت لنا ولعه وحبه للشيخ الحاج المنور رحمه الله الملقب بأمير الطار "Le prince du Tar" والذي رافق الحاج امحمد العنقة خلال فترة طويلة من حياته الفنية. فزاد ولعه به تثبيتا وبرهانا لنا أنه لا يأخذ إلا عن أكابر المشايخ سواء في فن النوبة أو فن القصيدة بكل فروعه ويرجع ذلك لكون "الحاج المنور" له طريقة متميزة في الغناء وخاصة "الاستخبار" وأصيل في هيأته. ومن القصائد التي أداها الأستاذ طنطاوي مستلهما في ذلك من أداء الشيخ الحاج لمنور، نذكر قصيدة "ما أعظمها قصة" و"يا رحمان ارحم ضعف الإسلام عجلان" "والفراق" و"دمي اهويت لغزالة".
إن الأستاذ أحمد طنطاوي مفخرة لمدينة وجدة ولكل الوجديين المتشبثين بتاريخ مدينتهم الزاخر بالأصالة في كل الميادين ومنها ميدان الفن الغرناطي وفروعه وهو فنان يفتخر بتمسكه بالتراث الأصيل إلى درجة يمكن معها القول أنه يعد من المحافظين الناذرين الذين نسأل الله أن يحفظهم لنا ولمدينتنا ولبلدنا الآمن.
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
B
B